مفاهيم ومبادئ التنمية المستدامة
يعتبر مفهوم التنمية المستدامة اليوم موضوع إجماع عالمي ، وفق ما تمت صياغته بداية من عام 1972 وما تم إثراؤه لاحقًا.
في عام 1972، اعتمد مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بالبيئة والتنمية إعلان ستوكهولم الذي قدم مجموعة من المبادئ للإدارة السليمة للبيئة، كما وضع القضايا البيئية على جدول الاهتمامات الدولية. ومن هنا نشأ الوعي بضرورة حماية البيئة بالتوازي مع متابعة نسق النمو وذلك في إطار التنمية المستدامة، والتي تُعرَّف بأنها التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.
في الحقيقة ، إن مفهوم التنمية المستدامة هو اليوم أساس معظم السياسات العامة المعاصرة التي تحاول توفير حل للمعادلة التي تبدو غير قابلة للإنجاز من أجل التوفيق بين السعي نحو تحقيق النمو الاقتصادي والحفاظ على الموارد الطبيعية بهدف تحسين رفاهية المجتمعات البشرية ، وذلك من خلال متابعة مختلف الرهانات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والسياسية والثقافية….
مفهوم التنمية المستدامة
يكمن مفهوم التنمية المستدامة أوّلا في دمج القضايا البيئية في ضرورات التنمية الاقتصادية من أجل تلبية الاحتياجات الفورية للسكان دون تعريض تطلعات الأجيال القادمة للخطر. ومع ذلك، فقد اتسع معناه ليشمل أفكار العدالة والتكافل، ليس فقط بين الأجيال، ولكن بين دول الأرض وشعوبها المُتعايشة الآن. وبالمثل، ينطبق مفهوم الترابط هذا على البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والطبيعية، التي يُعتبَر العملُ على تنميتها المتناسقة أمرًا ضروريًا من أجل سعادة البشرية واستدامة الطبيعة.
الشروط الأساسية للتنمية المستدامة
على الرغم من أن التنمية المستدامة تهدف إلى دمج الاهتمامات الاجتماعية والبيئية في القرارات الاقتصادية، إلا أن تنفيذها يتطلب الالتزام بمبادئ عامة مختلفة يُعتبَر استيعابها ضِمْن الشروط الأساسية للنجاح. نعني بذلك المبادئ الكبرى التي تنظم الحياة في المجتمع والعلاقات بين الدول والأمم، ويمكن تلخيصها في خمسة مبادئ، تتضمن العديد من المفاهيم الأساسية التي تعتبر أيضًا ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة:
1 . الديمقراطية:
حتى لو لم يكن من الضروري بشكل مطلق ربط التنمية المستدامة بالديمقراطية، تظل الحقيقة أن فكرة التنمية المستدامة لا يمكن نقلها وتطبيقها في غياب الديمقراطية الحقيقية. في الواقع، يبدو من الصعب تصور كيفية تلبية الاحتياجات الحالية من منظور العدالة ودون المساس بمستقبل الأجيال القادمة إذا لم يكن لدينا، خلفية من الآليات والمؤسسات التي تسمح بمشاركة الجميع.
2. الحكم الذاتي:
إذا كان لا بدّ من تحقيق التنمية المستدامة في سياق ديمقراطي، فمن الضروري أيضا، في هذه العملية، احترام الاستقلال الذاتي للدول والشعوب والجماعات العرقية، واحترام خياراتها الإنمائية. هذا لا يعني أن الدول يجب أن تعمل في أُطُر منغلِقة. على العكس من ذلك، يجب على الجميع تبني رؤية عالمية للتنمية، والتخطيط لها من خلال المشاركة الفعالة في المنتديات والأنشطة ذات الطابع الدولي، حيث يتم تحديد الأهداف المشتركة الرئيسية للتنمية المستدامة بطريقة منسَّقة.
مفهوم الحكم الذاتي لا يستبعد وضع معايير بيئية مشتركة على المستوى الدولي، على الرغم من أنه يمكن لكل دولة اعتماد معايير وطنية تحترم الأهداف المشتركة الكبرى.
3. العدالة:
إن فكرة العدالة(المساواة) هي جوهر قضية التنمية المستدامة برمتها. وتستند هذه الفكرة على الاعتراف بالطبيعة العالمية والمشتركة للبيئة، وعلى الحاجة إلى تقاسم مواردها بهدف الاستدامة. فيما يتعلق بالتنمية المستدامة، يجب نقل مسألة العدالة إلى ثلاثة مستويات: في الواقع، يجب أن نهدف إلى تحقيق المساواة بين السكان في كلّ دولة، ثمّ بين الدّول، ومِن ثمّة بين الأجيال.
4. الترابط:
انطلاقا من مفهوم الإنصاف، يصبح مفهوم الترابط شرطا أساسيا آخر للتنمية المستدامة باعتبار أن احترام المصلحة المشتركة لا يتم إلا من خلال التعاون الدولي.
5. المساءلة والمسؤولية:
إن اهتمام الجميع بالحفاظ على البيئة والاستفادة منها بشكل مستدام يعني، منذ البداية، أنّ على جميع الدول مسؤولية الحفاظ على البيئة واستعادتها، وتطويرها تبعا لذلك، دون إضرار دولةٍ ببيئتها ولا ببيئة الآخرين. لذلك يجب على الجميع المشاركة بنشاط وإبداء التضامن في هذه القضية.
المبادئ العامة للتنمية المستدامة
بالإضافة إلى الشروط الأساسية الخمسة التي يجب الوفاء بها لضمان تحقيق التنمية المستدامة، من الممكن أيضًا تحديد المبادئ التي تشكل أساس تنفيذ هذا المفهوم بشكل عادل. هذه المبادئ تتعلق بتعريف التنمية المستدامة أكثر ممّا هو الأمر بالنّسبة إلى الشروط المذكورة أعلاه:
1. إدماج البيئة والاقتصاد،
2. الاحتياط والوقاية والتقييم، والحفاظ على التنوع البيولوجي وعلى الموارد الطبيعية،
3. الحوار والشراكة والمشاركة،
4. التعليم والتدريب والتوعية،